إذا رجعنا إلى حديث الشُّعَب نجد هذا الأمر واضحاً، فمثل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بثلاثة أمثلة: (شهادة أن لا إله إلا الله، إماطة الأذى عن الطريق، الحياء)، فهذه ثلاث شعب جعلها صلى الله عليه وسلم أنموذجاً ومثالاً لغيرها، أما شهادة أن لا إله إلا الله، فلا يمكن أن تكون أعلى شعبة في الإيمان إلا بأن يقولها المرء بلسانه ويصدق قلبه لسانه، فالظاهر والباطن فيها مرتبطان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: {وأدناها إماطة الأذى عن الطريق} مثال على أعمال الجوارح، فالمؤمن المصدق لابد أن يمتثل بجوارحه.
ثم ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً ثالثاً بعمل قلبي وهو الحياء، فقال: {والحياء شعبة من الإيمان} ومع أن الحياء من أعمال القلوب إلا أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الإنسان مستحيياً ولا يظهر أثر ذلك على الجوارح، فالحياء مع كونه عملاً قلبياً لابد أن يظهر أثره على الجوارح، كما في قصة الثلاثة الذين دخلوا الحلقة: {وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه} فهو لما استحيا قعد وراء الحلقة. ففي ورود هذه الأمثلة الثلاثة (لا إله إلا الله -إماطة الأذى- الحياء) على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم حكمة وسر عظيم.
وعوداً على بدء نقول: إن الإجماع قد انعقد عند أهل السنة والجماعة على أن الإيمان أو الدين قول وعمل، وذلك متألف من أربعة أقسام: قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح.